- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (006)سورة الأنعام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الثاني عشر من دروس سورة الأنعام .
مثل المؤمن وغير المؤمن كمثل الحي والميت :
مع الآية الأربعين، وهي قوله تعالى :
﴿ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(40)﴾
والآية التي قبلها :
﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39) ﴾
أيها الإخوة، كما أن في عالم المادة هناك نور وظلام، كذلك في عالم الإيمان، هناك إنسان يرى وهناك إنسان أعمى، وإذا وسّعنا الدائرة هو أصم عن سماع الحق، أبكم لا ينطق به، أعمى لا يراه .
﴿ أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍۢ
مثل الرجل المؤمن وغير المؤمن كمثل الحي والميت ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾
﴿ وَمَا يَسْتَوِى ٱلْأَحْيَآءُ وَلَا ٱلْأَمْوَٰتُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ ۖ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍۢ مَّن فِى ٱلْقُبُورِ
تعريف الحياة والموت في عالم الإيمان :
يعني أحد العلماء الغربيين، وهو من كبار علماء الفيزياء يقول: كل من لا يرى في هذا الكون قوة هي أقوى ما تكون، رحيمة هي أرحم ما تكون، عليمة هي أعلم ما تكون، حكيمة هي أحكم ما تكون، فهو إنسان حي ولكنه ميت، هذا المعنى ذكره بعض الشعراء :
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
***
قد تجد إنساناً يتمتع بأعلى درجة من الحيوية والنشاط والشباب، ولكنه عند الله ميت، وقد تجد إنساناً اصطلحت عليه الأمراض وهو حي في أعلى درجات النشاط الإيماني .
فيا أيها الإخوة، الحياة والموت في عالم الإيمان معرفة الله والغفلة عنه، الحياة والموت في عالم الإيمان اتصال بالله وانقطاع عنه، الحياة والموت في عالم الإيمان عمل صالح وعمل سيئ، إقبال وإعراض، استقامة وانحراف .
فالإنسان له وجود مادي يشبه في هذا الوجود بقية المخلوقات، وله وجود إنساني هذا الوجود يعني أن يؤمن ، وأن يعرف ربه ، وأن يعرف سر وجوده ، وغاية وجوده ، ويعني أن يتحرك وفق ما خُلِقَ له ، فلذلك
﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ﴾ يعني لهم آذان موسيقية رائعة، يستمعون إلى الموسيقى وإلى الغناء، ويفرقون بين المغنين والمغنيات، الأحياء منهم والأموات، ولكنهم صُمٌّ عن سماع الحق، ولهم لسان طليق، أدباء وشعراء، ينطقون بالشعر والغزل، وما إلى ذلك، ولكنهم بُكمٌ عن أن ينطقوا بكلمة الحق، يتواطئون مع الكفار والمشركين، فيصمت لسانهم عن النطق بالحق، معنى قوله تعالى:
ثلاث طرق سالكة لمعرفة الله :
﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ(14) ﴾
معنى
﴿ تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ ۖ فَبِأَىِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ يُؤْمِنُونَ
لا سبيل إلى معرفة الله إلا من خلال آياته الكونية والتكوينية والقرآنية، ثلاث طرق سالكة لمعرفة الله، أن تتفكر في آياته الكونية، وفي آياته القرآنية
إذاً: هو لا يرى الحقائق رؤية ذاتية، ولا يصغي إلى الحق لوجاءه من إنسان، ولا ينطق به لو كان النطق به ضرورة.
المقدمات لها نتائج :
قال تعالى:
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
ما دام هناك فسقٌ، أو ظلمٌ، أو كفرٌ، فهذا الإنسان بعبارة يذكرها العلماء تحصيل حاصل، يعني أنا حينما أغلق الباب الخارجي للمسجد فهذا الباب لا معنى له، ولو كان مفتوحاً، ما دمت قد أغلقت الباب الخارجي فسواءٌ أغلقته أم لم أغلقه فالمحصلة واحدة ، إذاً الذي جعل شهوته حجاباً بينه وبين الله فهو أصم أبكم أعمى ، هو اختار الشهوة، إذاً جعل الشهوة حجاباً بينه وبين الله وكأنه أراد الضلالة .
للتقريب: كل بلد لها نظام معيّن، لو أن بلداً ما نظامها أن الإنسان لا يعيَّن في وظيفة مرموقة إلا بشهادة عليا، ليس رائجاً في هذا البلد إلا الوظائف مثلاً، فلما يُعرِض الشاب عن الدراسة باختياره وبإصراره فكأنما اختار أن يكون فقيراً، أو مُشرَّداً، أو ليس له عمل، مادامت القناة الوحيدة الصالحة للوظيفة شهادة عليا، وما دام الشاب أعرض باختياره وبإصراره عن سلوك طريق العلم، فكأنه أراد أن يكون بلا عمل، وأن يكون فقيراً كلّاً على الناس، بالضبط.
عندما يختار إنسان السرقة والجريمة، وحينما يُقبَض عليه يُعدَم كأنه اختار أن تنتهي حياته بالإعدام، اختياره هذا، كل مقدمة لها نتيجة، بالضبط، المقدمات لها نتائج، أنت إذا اخترت المقدمة أوصلتك حتماً إلى النتائج، هذا من باب البلاغة،
ما من عقيدة شلَّت الأمة وجعلتها في مؤخرة الأمم كعقيدة الجبر :
مرة التقى طبيب بإنسان يدخن، قال له: أنت ينتهي بك الدخان إلى الجلطة، أقسم لي بالله أنه بعد ستة أشهر ـ هو طبيب قلب ـ جاءه هذا الإنسان، وقد أُصِيب بجلطة في قلبه، الطبيب لا يعلم الغيب، لكن يعلم المقدمات والنتائج، هذا السلوك ينتهي إلى كذا.
أقسم لي طبيب آخر جراح قلب ، قال لي : والله من ثماني سنوات ، وأنا أجري كل يوم عملية قلب ، أقسم بالله ـ مع تأكيد القسم ـ أنه ما أجرى عملية قلب مفتوح إلا لمدخن ، فإذا كان إنسان يبالغ في التدخين ، وقال له الطبيب : أنت اخترت الجلطة، يعني هو اختار مقدمة لهذه النتيجة، هذا المعنى بالذات، اختار مقدمة ، والمقدمة تنتهي إلى هذه النتيجة ، فهذا معنى قوله تعالى:
﴿ وَإِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ ءَابَآءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
وما من عقيدة شلَّت الأمة وجعلتها في مؤخرة الأمم كعقيدة الجبر:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إيّاك إياك أن تبتل بالماء
***
﴿ وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ
آيات من القرآن الكريم عن عظمة الله سبحانه :
ذكرت هذا التعقيب لئلا يتوهم مُتوهِّم أن الله قال:
﴿ ذَٰلِكَ جَزَيْنَٰهُم بِمَا كَفَرُواْ ۖ وَهَلْ نُجَٰزِىٓ إِلَّا ٱلْكَفُورَ
إله عظيم :
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ(7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ(8) ﴾
إله عظيم يقول :
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ(18) ﴾
إله عظيم يقول :
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ(35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(36) ﴾
إله عظيم يقول :
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ(61) ﴾
إله عظيم يقول :
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(21) ﴾
علينا فهم الآيات كما أراد الله عز وجل :
قال تعالى :
﴿ وَلِكُلٍّۢ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَٰتِ
وقال :
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً(3) ﴾
وقال :
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا(148) ﴾
لا ينبغي أن نفهم هذه الآيات على غير ما أراد الله عز وجل
الآية التالية تبين أن الإيمان في الأصل فطري :
الآن هناك آية تؤكد أن الإيمان في الأصل فطري، تصور فريقاً من الخبراء من بلد في الماضي كان يؤمن بأنه لا يوجد إله ـ هم ملحدون ـ ركبوا طائرة، ودخلت في غيمة مكهربة، فاختل توازنها، وكادت تسقط، فإذا بكل هؤلاء الخبراء الملحدون يقولون: يا الله ، معنى ذلك أن الإيمان فطري، وهذا المعنى ورد في القرآن كثيراً، أيّ إنسان مهما بدا فاسقاً فاجراً منحرفاً، حينما يأتيه الخطر يقول: يا الله، إذاً يقول الله عز وجل:﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾
علينا أن نعرف الله في الرخاء لا بعد الشدة :
والله أيها الإخوة، أنا اطّلعت على إخوة كثيرين، هم طيبون، لكن إقبالهم على الله بدأ بعد المصيبة، على كل حال جيد، لأنه من لم تُحدِث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر
كان أحدهم إنساناً شارداً عن الله شروداً بعيداً، جاءته أزمة قلبية وهو في ريعان القوة، والغنى، والعلاقات، والاتصالات، فأُدخل إلى المستشفى في العناية المشددة، وغلب على يقينه أنه ميت، ولن يعود إلى البيت، فناجى ربه، وقال: يا رب، أتحب أن ألقاك بلا ثياب، أعطني مهلة ، فلعلي أتوب إليك ، الله عز وجل أعطاه مهلة، وذاق طعم القرب، يقول لي: في ساعة من ساعات المناجاة، قلت: يا رب، كل هذه السعادة بسبب هذا المرض الذي ألمَّ بي؟ وكان سبب توبتي إليك، لمَ لم يكن هذا المرض قبل عشر سنوات؟!!
أحياناً الله يتدخل تدخّلاً لصالح العبد، يكون غافلاً، شارداً، ساهياً، لاهياً، الدنيا أخذته، المال يعبده من دون الله، يعبد شهوته من دون الله، فإذا جاء ما يحول بينه وبين شهوته يتوب، وقد قال الله عز وجل :
﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ
حينما يُحال بينه وبين شهوته يعلم أن الله حق، أنا أتمنى على إخوتي الكرام، وأخاطب نفسي معهم أن نعرفه في الرخاء، فالموقف مُشرِّف أن تعرفه في الرخاء، لا أن تعرفه عقب الشدة، على كلٍ بعد الشدة لو عرفته وتبت إليه جيد جداً، لكن شتان بين من عرفه في الرخاء، وبين من عرفه بعد الشدة.
إن كنت مفتقراً إلى الله وأنت في الرخاء تكن أقوى الناس :
﴿ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ(41) ﴾
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ(42) ﴾
ثمة أمم فسقت، وفجرت، وأشركت، وكفرت، بل وأنكرت وجود الله أصلاً، لأن هذه الأمم مدعوّة إلى الله عز وجل، وخُلِقت لتعرفه، وخُلقت للجنة، لم يخلق الله مخلوقاً إلا للسعادة .
﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ
هذه الأمم التي أرسل الله إليها البأساء والضراء لأنها شردت عن الله عز وجل، ساق لها هذه العلاجات التربوية.
سياسة الله عز وجل مع خلقه أربع مراحل :
وكلكم يعلم أيها الإخوة أن الله عز وجل سياسته مع خلقه أربع مراحل
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ
كي تعيش الحياة التي خُلقت من أجلها، كي يحيا قلبك، كي تحيا نفسك، كي تحيا بقربك من الله، فالإنسان لم يستجب، ما دام لم يستجب يخضعه الله لتربيةٍ، أو لإجراءٍ آخر، يسوق له شدة، هذا يسمى التأديب التربوي .
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(21) ﴾
في الدعوة البيانية ينبغي أن تستجيب، وفي التأديب التربوي ينبغي أن تتوب
ما دامت الشدائد التي تحيط بنا حوافز إلى الله ومادام هناك بقية حياة فهذه البقية نعمة :
قال تعالى :
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) ﴾
تسمعون عالَم غني، قوي، متغطرس، متكبر، يكيل بمليون مكيال، وأقوياء، وأغنياء، وأذكياء، وحياتهم مرفهة
الآن الطبيب ينظر إلى مريض، يظنه مات، يمسك النبض، يدقق، ليس فيه حركة أبداً، كل واحد منا يضع يده على مكان شريان يشعر بالنبض، فالطبيب يضع يده على شريان في المعصم، لا يوجد أي حركة، قد يكون القلب نبضه ضعيف جداً ، يأتي بمرآة يضعها أمام أنفه ، إذا ظهر عليها بخار ماء فهو يتنفس، ليس هناك بخار ماء، يأتي بمصباح شديد، يفتح عينه، ويضيء المصباح، إذا صغرت الحدقة فهناك ردود فعل، لا الحدقة صغرت، ولا المرآة انطبع عليها بخار الماء، وليس هناك نبض، يقول: عظم الله أجركم، ميت، هكذا الوضع.
﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(43) ﴾
بطولتنا ألا نصل مع الله إلى طريق مسدود :
يعني الزلزال الذي حصل في شرق آسيا، أيّ طرحٍ أن هذا عقاب من الله، وتأديب، وهذه السواحل فيها فسق، وفجور، وفيها ثمانمئة ألف غلام للفجور بهم، وفيها كل أنواع المعاصي التي تحرمها الشرائع الثلاث، لا يرضى أن يكون هذا الطرح، إلا أن يكون اصطدام لوحين سبّب هذه الكارثة، أيّ طرح توحيدي سماوي مرفوض، وأي طرح شركي أرضي مقبول ، فلذلك :
﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُون﴾
أنا سمعت أن الذين ـ والعياذ بالله ـ يتعاطون الحشيش يشترون قطعة غالية جداً يسمّونها (بَلْعة) يأخذها أحدهم فيشعر أنه يحلق في الأجواء، أي صوت عنيف يُطيّر له هذه البلعة، فجأة، هذا الإنسان عندما يكون بعيداً عن الله يكون غنياً وقويّاً، والأمور كلها بين يديه، والملذات، والشهوات تأتيه مصيبة، ويجد نفسه في قبضة الله عز وجل . نحن بطولتنا أيها الإخوة ، ألا نصل مع الله إلى طريق مسدود .
كل إنسان يموت على نيته :
قال تعالى :
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ(42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ(44) ﴾
للتوضيح، وقد ذكرت هذا مراراً ، ما كل من هلك في زلزال آسيا غير مؤمن، كل إنسان يموت على نيته ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :
(( إن الله تعالى إذا أنزل سطوته على أهل نقمته فوافت آجال قوم صالحين فأهلكوا بهلاكهم ، ثم يبعثون على نياتهم وأعمالهم ))
هذا موضوع ثانٍ، يعني التعميم من العمى، ما كل إنسان أُهلِك بزلزال ليس مؤمناً، قد يكون هناك مؤمنون، قد يكون هناك غير مؤمنين، مصيبة واحدة لبعضهم عقاب، ولبعضهم امتحان، ولبعضهم ترقية.
دائماً دورة الحق والباطل أطول من عمر الإنسان :
﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(45) ﴾
يعني هذا الظلم مَرْتعه وخيم، والله عز وجل يقول :
﴿ قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ
لكن دائماً دورة الحق والباطل أطول من عمر الإنسان ، يخاطب الله نبيه صلى الله عليه وسلم .
﴿ إِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ
معنى ذلك حتى النبي الكريم، وهو سيد الخلق وحبيب الحق، قد لا يُمتِّع عينيه بنصر الله عز وجل، نحن مؤمنون وصابرون، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا ويحفظ بلادنا من كل مكروه.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين